فصل: تفسير الآية رقم (52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (52):

قوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ما ذكر هو العذاب الدنيوي، أتبعه ما بعده إعلامًا بأنه لا يقتصر عليه في جزائهم فقال: {ثم قيل} أي من أيّ قائل كان استهانة: {للذين ظلموا} أي وبعد أزّكم في الدنيا والبرزخ بالعذاب وهزّكم بشديد العقاب قيل لكم يوم الدين بظلمكم بالآيات وبما أمرتم به فيها بوضعكم كلًا من ذلك في غير موضعه: {ذوقوا عذاب الخلد} فالإتيان بثم إشارة إلى تراخي ذلك عن الإهلاك في الدنيا بالمكث في البرزخ أو إلى أن عذابه أدنى من عذاب يوم الدين: {هل تجزون} بناه للمفعول لأن المخيف مطلق الجزاء؛ ولما كان الاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، وكان المعنى: بشيء، استثنى منه فقال: {إلا بما كنتم} أي بجبلاتكم: {تكسبون} أي في الدنيا من العزم على الاستمرار على الكفر ولو طال المدى لاتنفكون عنه بشيء من الأشياء وإن عظم، فكان جزاءكم الخلود في العذاب طبق النعل بالنعل؛ والعذاب: الألم المستمر، وأصله الاستمرار، ومنه العذوبة لاستمرارها في الحلق؛ والبيات: إتيان الشيء ليلًا؛ والذوق: طلب الطعم بالفم في ابتداء الأخذ. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وأما قوله: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد}
فهو عطف عى الفعل المضمر قبل: {آلان} والتقدير: قيل: آلان وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد.
وأما قوله تعالى: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} ففيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:
أنه تعالى أينما ذكر العقاب والعذاب ذكر هذه العلة كأن سائلًا يسأل يقول: يا رب العزة أنت الغني عن الكل فكيف يليق برحمتك هذا التشديد والوعيد، فهو تعالى يقول: أنا ما عاملته بهذه المعاملة ابتداء بل هذا وصل إليه جزاء على عمله الباطل وذلك يدل على أن جانب الرحمة راجح غالب، وجانب العذاب مرجوح مغلوب.
المسألة الثانية:
ظاهر الآية يدل على أن الجزاء يوجب العمل، أما عند الفلاسفة فهو أثر العمل، لأن العمل الصالح يوجب تنوير القلب، وإشراقه إيجاب العلة معلولها وأما عند المعتزلة فلأن العمل الصالح يوجب استحقاق الثواب على الله تعالى وأما عند أهل السنة، فلأن ذلك الجزاء واجب بحكم الوعد المحض.
المسألة الثالثة:
الآية تدل على كون العبد مكتسبًا خلافًا للجبرية، وعندنا أن كونه مكتسبًا معناه أن مجموع القدرة مع الداعية الخالصة يوجب الفعل والمسألة طويلة معروفة بدلائلها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} أي تقول لهم خزنة جهنم هذا الكلام.
والظلم ظلم الكفر لا ظلم المعصية، لأنّ من دخل النار من عصاة المؤمنين لا يخلد فيها. وثم قيل عطف على المضمر قبل الآن.
ومن قرأ بوصل ألف الآن فهو استئناف إخبار عما يقال لهم يوم القيامة، وهل تجزون توبيخ لهم وتوضيح أنّ الجزاء هو على كسب العبد. اهـ.

.قال أبو السعود:

قوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ} إلخ تأكيدٌ للتوبيخ والعتابِ بوعيد العذابِ والعقابِ وهو عطفٌ على ما قدّر قبل آلآن: {لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} إن وضعوا الكفرُ والتكذيبُ موضعَ الإيمان والتصديقِ، أو ظلموا أنفسَهم بتعريضها للعذاب والهلاكِ، ووضعُ الموصول موضع الضمير لذمهم بما في حيز الصلة والإشعارِ بعلّيته لإصابة ما أصابهم: {ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد} المؤلمَ على الدوام: {هَلْ تُجْزَوْنَ} اليوم: {إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} في الدنيا من أصناف الكفر والمعاصي التي من جملتها ما مرّ من الاستعجال. اهـ.

.قال الألوسي:

{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}
{لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي وضعوا ما نهوا عنه من الكفر والتكذيب موضع ما أمروا به من الإيمان والتصديق أو ظلموا أنفسهم بتعريضها للهلاك والعذاب، ووضع الموصول موضع الضمير لذمهم بما في حيز الصلة والإشعار بعليته لإصابة ما أصابهم: {ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد} أي المؤلم على الدوام: {هَلْ تُجْزَوْنَ} أي ما تجزون اليوم: {إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} أي إلا ما استمررتم على كسبه في الدنيا من أصناف الكفر التي من جملتها ما مر من الاستعجال، وزاد غير واحد في البيان سائر أنواع المعاصي بناء أن الكفار مكلفون بالفروع فيعذبون على ذلك لكن هل العذاب عليه مستمر تبعًا للكفر أو منته كعذاب غيرهم من العصاة؟ قيل: الظاهر الثاني وبه جمع بين النصوص الدالة على تخفيف عذاب الكفار وما يعارضها فقالوا: إن المخفف عذاب المعاصي والذي لا يخفف عذاب الكفر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} معطوفة على جملة: {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتًا أو نهارًا} [يونس: 50] الآية.
و: {ثم} للتراخي الرتبي، فهذا عذاب أعظم من العذاب الذي في قوله: {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتًا أو نهارًا} [يونس: 50] فإن ذلك عذاب الدنيا وأما عذاب الخلد فهو عذاب الآخرة وهذا أعظم من عذاب الدنيا، فذلك موقع عطف جملته بحرف {ثم}. وصيغة المضي في قوله: {قيل للذين ظلموا} مستعملة في معنى المستقبل تنبيهًا على تحقيق وقوعه مثل: {أتَى أمرُ الله} [النحل: 1].
والذين ظلموا هم القائلون: {متى هذا الوعد} [يونس: 48].
وأظهر في مقام الإضمار لتسجيل وصف الظلم عليهم وهو ظلم النفس بالإشراك.
ومعنى ظلموا: أشركوا.
والذوق: مستعمل في الإحساس، وهو مجاز مشهور بعلاقة الإطلاق.
والاستفهام في: {هل تجزون} إنكاري بمعنى النفي، ولذلك جاء بعده الاستثناء: {إلا بما كنتم تكسبون}.
وجملة: {هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} استئناف بياني لأن جملة: {ذوقوا عذاب الخلد} تثير سؤالًا في نفوسهم عن مقدار ذلك العذاب فيكون الجواب على أنه على قدر فظاعة ما كسبوه من الأعمال مع إفادة تعليل تسليط العذاب عليهم. اهـ.

.قال الشعراوي:

{ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} وهذا إخبار عن العذاب القادم لمن كفروا ويلقونه في اليوم الآخر، فهم بكفرهم قد ظلموا أنفسهم في الدنيا، وسيلقون العذاب في الآخرة، وهو: {عَذَابَ الخلد} أي: عذاب لا ينتهي.
وينهي الحق سبحانه الآية بقوله: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ}.
أي: أن الحق سبحانه لم يظلمهم، فقد بلغهم برسالة الإيمان عن طريق رسول ذي معجزة، ومعه منهج مفصَّل مؤيَّد، وأمهلهم مدة طويلة، ولم يستفيدوا منها؛ لأنهم لم يؤمنوا.
إذن: فسيلقون عذاب الخلد، وقد جاء سبحانه هنا بخبر عذاب الخلد؛ لأن عذاب الدنيا موقوت، فيه خزي وهوان، لكن محدوديته في الحياة يجعله عذابًا قليلًا بالقياس إلى عذاب الآخرة المؤبد.
وجاء الحق سبحانه بأمر عذاب الخلد كأمر من كسبهم، والكسب زيادة عن الأصل، فمن يتاجر بعشر جنيهات، قد يكسب خمسة جنيهات.
وهنا سؤال: هل الذي يرتكب معصية يكسب زيادة عن الأصل؟
نعم؛ لأن الله سبحانه حرَّم عليه أمرًا، وحلله هو لنفسه، فهو يأخذ زيادة في التحليل، وينقص من التحريم وهو يظن أنه قد كسب بمفهومه الوهمي الذي زين له مراد النفس الأمارة، وهذا يعني أنه ينظر إلى واقع اللذة في ذاتها، ولا ينظر إلى تبعات تلك اللذة، وهو يظن أنه قد كسب، رغم أنه خاسر في حقيقة الأمر. اهـ.

.قال الزمخشري في الآيات السابقة:

.[سورة يونس: آية 26]:

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
{الْحُسْنى} المثوبة الحسنى {وَزِيادَةٌ} وما يزيد على المثوبة وهي التفضل. ويدل عليه قوله تعالى: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} وعن علىّ رضي الله عنه: الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة. وعن ابن عباس رضي الله عنه: الحسنى: الحسنة، والزيادة: عشر أمثالها.
وعن الحسن رضي الله عنه: عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وعن مجاهد رضي الله عنه: الزيادة مغفرة من اللّه ورضوان.
وعن يزيد بن شجرة: الزيادة أن تمرّ السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئًا إلا أمطرتهم. وزعمت المشبهة والمجبرة أن الزيادة النظر إلى وجه اللّه تعالى وجاءت بحديث مرقوع «إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن يا أهل الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فو اللّه ما أعطاهم اللّه شيئًا هو أحب إليهم منه» {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ} لا يغشاها {قَتَرٌ} غبرة فيها سواد {وَلا ذِلَّةٌ} ولا أثر هوان وكسوف بال. والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار إذكارا بما ينقذهم منه برحمته. ألا ترى إلى قوله تعالى: {تَرْهَقُها قَتَرَةٌ} {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}.

.[سورة يونس: آية 27]:

{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27)}
فإن قلت: ما وجه قوله: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها} وكيف يتلاءم؟ قلت: لا يخلو، إمّا أن يكون {وَالَّذِينَ كَسَبُوا} معطوفًا على قوله: {الَّذِينَ أَحْسَنُوا} كأنه قيل: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وإمّا أن يقدّر: وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها على معنى: جزاؤهم أن تجازى سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها، وهذا أوجه من الأوّل، لأنّ في الأوّل عطفًا على عاملين وإن كان الأخفش يجيزه. وفي هذا دليل على أنّ المراد بالزيادة الفضل، لأنه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله، ودل ثمة بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله.
وقرئ: {يرهقهم ذلة}، بالياء {مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ} أي لا يعصمهم أحد من سخط اللّه وعذابه. ويجوز ما لهم من جهة اللّه ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين {مُظْلِمًا} حال من اللّه. ومن قرأ {قِطَعًا} بالسكون من قوله: {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} جعله صفة له. وتعضده قراءة أبىّ بن كعب: {كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم}. فإن قلت: إذا جعلت مظلمًا حالا من الليل، فما العامل فيه؟ قلت: لا يخلو إمّا أن يكون {أُغْشِيَتْ} من قبل إن {مِنَ اللَّيْلِ} صفة لقوله: {قِطَعًا} فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة، وإما أن يكون معنى الفعل في {مِنَ اللَّيْلِ}.

.[سورة يونس: آية 28]:

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28)}
{مَكانَكُمْ} الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم.
و{أَنْتُمْ} أكد به الضمير في مكانكم لسدّه مسدّ قوله الزموا {وَشُرَكاؤُكُمْ} عطف عليه. وقرئ {وَشُرَكاؤُكُمْ} على أنّ الواو بمعنى مع، والعامل فيه ما في مكانكم من معنى الفعل {فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ} ففرّقنا بينهم وقطعنا أقرانهم. والوصل التي كانت بينهم في الدنيا. أو فباعدنا بينهم بعد الجمع بينهم في الموقف.
وتبرؤ شركائهم منهم ومن عبادتهم، كقوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا}. وقرئ: {فزايلنا بينهم}، كقولك: صاعر خدّه وصعره، وكالمته وكلمته. {ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ} إنما كنتم تعبدون الشياطين، حيث أمروكم أن تتخذوا للّه أندادًا فأطعتموهم.

.[سورة يونس: الآيات 29- 30]:

{فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
{إِنْ كُنَّا} هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، وهم الملائكة والمسيح ومن عبدوه من دون اللّه من أولى العقل، وقيل: الأصنام ينطقها اللّه عزّ وجلّ فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي زعموها وعلقوا بها أطماعهم {هُنالِكَ} في ذلك المقام وفي ذلك الموقف أو في ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان {تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ} تختبر وتذوق {ما أَسْلَفَتْ} من العمل فتعرف كيف هو، أقبيح أم حسن، أنافع أم ضارّ، أمقبول أم مردود؟ كما يختبر الرجل الشيء ويتعرّفه ليكتنه حاله. ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ} وعن عاصم: نبلو كلَّ نفس، بالنون ونصب كل: أي نختبرها باختبار ما أسلفت من العمل، فنعرف حالها بمعرفة حال عملها: إن كان حسنًا فهي سعيدة، وإن كان سيئًا فهي شقية. والمعنى: نفعل بها فعل الخابر، كقوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء وهو العذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر. وقرئ: {تتلو}، أي تتبع ما أسلفت، لأنَّ عمله هو الذي يهديه إلى طريق الجنة أو إلى طريق النار. أو تقرأ في صحيفتها ما قدّمت من خير أو شر {مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} ربهم الصادق ربوبيته، لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة. أو الذي يتولى حسابهم وثوابهم، العدل الذي لا يظلم أحدًا. وقرئ: {الحق}، بالفتح على تأكيد قوله: {رُدُّوا إِلَى اللَّهِ} كقولك هذا عبد اللّه الحق لا الباطل. أو على المدح كقولك: الحمد للّه أهل الحمد {وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء للّه. أو بطل عنهم ما كانوا يختلقون من الكذب وشفاعة الآلهة.